المراحل الصحيحة لصياغة العقود 

تستلزم الصياغة الجيدة للعقد التفكير في موضوعه تمهيدا لتحديد مفرداته من ناحية والحرص على أن تكون الصياغة صحيحة وواضحة وكاملة من ناحية أخرى، وهو ما يستدعي الالتزام ببعض المبادئ في مرحلة التحضير ومرحلة الكتابة النهائية على النحو التالي تفصيله:

المرحلة الأولى: التحضير لصياغة العقود

التفاعل بين طالب الصياغة والقائم بها

لعل أول عمل يتعين أن يقوم به المكلف بصياغة العقد هو التعرف على رغبة العميل تمهيدا للتفكير في أنسب الحلول المحققة لهذه الرغبة وهذا يتطلب من العميل الإفصاح عن كل الوقائع المقيدة. ولما كان العميل لا يعرف كل العناصر الواجب أن يتضمنها العقد المطلوب صياغته فيجب على القائم بالصياغة أن يطلب منه المعلومات التي يراها لازمة لتحديد موضوع الصياغة.

يجب على أي شخص يسعى لصياغة عقد ألا يبدأ العملية دون حد أدنى من المعرفة والتخصص. فالعقد ليس مجرد نص قانوني، بل هو أداة لضمان حقوق الأطراف وتنظيم العلاقة بينهم.

فعلى سبيل المثال عند صياغة عقد يتعلق بتوزيع سلعة معينة في بلد معين، من الضروري جمع المعلومات اللازمة من جميع الأطراف المعنية. هذه المعلومات تتضمن تفاصيل حول السلعة، السوق المستهدف، والتوجهات القانونية في البلد المعني.

بناءً على المعلومات التي تم جمعها، يجب على المختص أن يحدد القالب الأنسب لتحقيق الأهداف المرجوة. في حالة توزيع السلعة، يمكن أن يختار بين أنواع متعددة من العقود، مثل:

عقد الوكالة التجارية: ينظم العلاقة بين الوكيل والمصنع، حيث يقوم الوكيل بالترويج للسلعة مقابل عمولة.

عقد التوزيع: يحدد شروط توزيع السلعة بين المورد والموزع، مع تحديد الحقوق والواجبات لكل طرف.

عقد التمثيل التجاري: يحدد العلاقة بين الشركة والجهة الممثلة، حيث يقوم الممثل بالتسويق والمبيعات نيابة عن الشركة.

وربما كان من المفيد أن يعرض القائم بالصياغة على العميل قائمة معدة سلفا (check-list) تتضمن رؤوس موضوعات العقد        المراد صياغته لكي يقدم العميل معلوماته واقتراحاته بشأنها. وينصح القائم بالصياغة توخي التبسيط في مناقشته الأفكار  مع العميل ليقف على معناها وآثارها وليستطيع بالتالي أن يحدد ما إذا كان استخدامها يتفق مع رغبته.

ويجب أن يلفت نظر العميل إلي ما قد يوجد تعارض بين رغباته والمعايير الشرعية والمالية، والمشاكل القانونية التي قد تعترض رغباته والبدائل المتاحة للتغلب عليها. وفي هذا الصدد نقول إن بعض المعايير قد تتضمن قواعد الزامية بشأن شكل العقد وما يجب أن يتضمنه مما يتعين مراعاته عند الصياغة. فهذه تكون أساسية والتفاوض يكون في الشروط التي لا تكون إلزامية.

ويراعي في صياغة العقود  علاقة  محل الصياغة بغيرة من العقود ذات الصلة بموضوعه. في هذه المرحلة يجب إذن أن يحدث تفاعل بين القائم بالصياغة وعميله لكي تتضح الرؤية لكليهما وبالتالي الحدود التي تجري في إطارها الصياغة.

المرحلة الثانية: إعداد مسودة الصياغة (outline)

من المفيد أن يضع المكلف بالصياغة مسودة تتضمن عناصر العقد المطلوب صياغته، ويجب أن يكون هيكل المسودة من السعة بحيث يمكن تضمينها موضوعات العقد المطلوب في ترتيب منطقي.

لهذا  كان من الشائع لدى المكلفين بالصياغة الرجوع إلى نماذج العقود المتداولة فيجب الحرص على عدم التقيد بهذه النماذج لدى إعداد مسودة العقد المطلوب صياغته الذي قد يتطلب الحذف أو الإضافة من تلك النتائج.

وتظهر أهمية البدء بإعداد مسودة في إنها تضيء الطريق أمام المكلف بصياغة العقد النهائي عن أفضل ترتيب لعناصره وإقامة التناسق بينها، كما أنها ترشده إلى عناصر أخرى ربما فاتت عليه إذا بادر إلى صياغة العقد مباشرة، الأمر الذي يكفل في النهاية إمكان بناء العقد  بناء منطقيا وإخراجه في الشكل المطلوب.

وتتيح المسودة إقامة التناسق بين أقسام العقد ورفع التناقض بينها أو التكرار فيها. فيحدث إذا جرت صياغة العقد مباشرة دون عمل مسودة له أن تعالج الجوانب المتعددة لموضوع واحد في أكثر من مكان، الأمر الذي يمكن تفاديه عن طريق مسودة يجري من خلالها تجميع كل ما يتصل بموضوع معين في مكان واحد، هذا إذا كان الغرض من صياغته لا يقتضي تشتيت أجزائه في أنحاء متفرقة من العقد .

المرحلة الثالثة: الصياغة المبدئية

ينصرف الاهتمام في هذه المرحلة إلى شكل العقد وأسلوب صياغته، وسوف نعالج بالتفصيل فيما بعد القواعد الواجب مراعاتها في هذا الصدد، ويكفينا أن نشير هنا إلى أن خير معين للتقيد بهذه القواعد، مثل الوضوح وتواصل الأفكار والبساطة والتنظيم الدقيق والانسجام الداخلي، هو أن يبادر المكلف بالصياغة بتنقيح المسودة وصياغة مفرداتها كل على ورقة مستقلة بحيث يمكن تعديلها ومن ثم تجميعها في تسلسلها في الكتابة الثانية. 

المرحلة الرابعة: مراجعة الصياغة وتهذيبها

لا شك أن مراجعة الصياغة المبدئية سوف يتيح للقائم بالصياغة تكملة ما قد يكشفه من نقص في موضوعها وإزالة ما يكتنفها من عيوب تتعلق بالتنظيم الداخلي من ناحية وسوف تمكنه من تهذيب النص وإدخال ما يراه كفيلا بإخراجه في صورة جمالية مقبولة من ناحية أخرى، فمراجعة الصياغة من أكثر من شخص أو المواجهة بينهم، كثيرا ما تكون مثمرة، ولا توجد قاعدة موحدة يحدد بها عدد مرات إعادة الصياغة، ولكن أهمية وضخامة موضوع العقد تتطلب التدقيق في مراجعته، ويراعي لدى المراجعة عدم التخلص من الكتابة الأولية  فقد تحتاج إليها فيما بعد عند المقارنة بينها وبين الصياغة النهائية، لذلك يجب وضع تاريخ على كل منها.

المرحلة الخامسة: مراجعة أجزاء العقد بالتتابع

تتطلب الصياغة الجيدة فحص كل أجزاء العقد ومتطلباته وما يثيره كل جزء من مشاكل، فمثلا بند توزيع الأرباح يجب توضيح طريقة احتساب الأرباح بشكل محاسبي واضح ووقت التوزيع وطريقته، وغير ذلك من المسائل التي تثيرها في العقد محل الصياغة.

وهكذا في مرحلة المراجعة يجب البحث عن حلول للمشاكل أو المصاعب التي تبرز في هذا الصدد، ويجب عدم الانتقال إلى الجزء التالي في العقد قبل معالجة كل ما يحتمل أن يثيره الجزء محل المراجعة من مشاكل.

المرحلة السادسة: المراجعة الداخلية الشاملة

وفي هذه المرحلة يجب أن يقوم الصائغ بفحص العقد ووثائقه فحصا شاملا بغرض كفالة التناسق بين أجزاءه والربط بينها. ولهذا يجب مراجعة تفصيلية  بين أجزاء العقد وبنوده، كذلك الأمر بالنسبة لبند التعاريف حيث يجب مراجعة مدى تطابق الكلمات المعرفة بصدر العقد مع استخدامها في أجزائه، وبالتالي عمل اللازم لإزالة ما قد يظهر من اختلاف بين التعريف وبين استخدامه في صلب العقد، وفي هذه الخطوة من المراجعة يجب التأكد من وجود التناسق في استخدام فواصل الكلام وفي تسلسل الأجزاء وترقيم البنود.

المرحلة السابعة: فحص انسياب الأفكار

يجب أن يراعي القائم بالصياغة، في مراجعة صياغة العقد مدى استجابتها لرغبة أطراف التعاقد، وهو يستطيع تحقيقا لهذه الغاية، أن يضع أمامه عدة تساؤلات يحاول البحث لها عن إجابات في الصياغة القائمة ليعدلها بما يوافق الغاية المذكورة، ويتعين أن يراعي في هذه الخطوة انسياب الأفكار  وتسلسلها تسلسلا منطقيا، وبالتطبيق لذلك يسأل القائم بالصياغة نفسه وهو بصدد مراجعتها عما إذا كان مجملها يعكس الغاية من التعاقد ويعبر عن رغبة العميل، وهل يوجد ثمة انقطاع غير طبيعي في انسياب الأفكار، هل تفقد الوثيقة لجزء مكمل أو متمم أو مرتبط بأجزائها الأخرى، مثلا هل تتضمن الصياغة ما يفيد في تحديد حالات انتهاء العقد؟

عند صياغة العقود، يجب على القائم بالصياغة أن يأخذ في اعتباره عدة عوامل قد تؤثر على قبول الأطراف للوثيقة. إليك بعض النقاط المهمة التي يجب مراعاتها:

الاعتبارات المؤثرة على قبول الأطراف للعقد:

1. شكل العقد:

يجب أن يكون العقد مصاغًا بشكل محترف ومنظم. الشكل الجيد يعكس جديّة الأطراف ورغبتهم في الالتزام بالاتفاق.

2. حجم الوثيقة:

يجب أن تكون الوثيقة مريحة للقراءة، دون تعقيدات زائدة. عقد طويل ومعقد قد يؤدي إلى تردد الأطراف في التوقيع عليه، لذا يجب تقديم المعلومات بوضوح وإيجاز.

3. الصدق والوضوح:

الصدق في عرض المعلومات والتفاصيل هو أمر أساسي. يجب أن تكون جميع الشروط والأحكام واضحة، خالية من الغموض أو اللبس، مما يسهل فهمها من قبل جميع الأطراف.

معالجة العيوب والنقص:

إذا اكتشف القائم بالصياغة أي نقص أو عيب في الوثيقة، يجب عليه ألا يتردد في العودة إلى الخطوات السابقة لتحديد مكمن المشكلة. هذا يعني:

المراجعة والتدقيق:

إعادة قراءة الوثيقة بعناية لتحديد أي مناطق قد تحتاج إلى تحسين أو تعديل.

طلب الرأي من الآخرين:

يمكن عرض الوثيقة على شخص آخر، مثل خبير قطاعي، للحصول على آراء جديدة. فوجهات النظر الخارجية يمكن أن تكشف عن عيوب قد تغيب عن نظر الشخص الذي قام بالصياغة.

الخلاصة:

الالتزام بالتحسين المستمر والشفافية في عملية الصياغة يعد من العوامل الأساسية لنجاح أي عقد. من خلال التركيز على الاعتبارات المذكورة واستعداد القائم بالصياغة للتكيف وتحسين الوثيقة، يمكن تقليل المخاطر وتعزيز الثقة بين الأطراف المتعاقدة.

 

لماذا يجب الاستعانة بجهة مختصة في صياغة العقود؟

تحتاج عملية صياغة العقود إلى خبرة واسعة في صياغة العقود وفهم عميق للمعايير الدولية والتشريعات، مما يساعدك على تجنب الثغرات التي قد تؤدي إلى نزاعات مكلفة ومضيعة للوقت.

لذا، عند التفكير في صياغة عقود أو اتفاقيات، فإن اللجوء إلى جهة متخصصة تمثل الخيار الأمثل والأكثر حكمة، فهي الشريك الذي يسهم في تحقيق النجاح والاستقرار لك ولأعمالك.

أولا: الخبرة المتخصصة

الخبرة هي إحدى أبرز فوائد الاستعانة بمختص في صياغة العقود. يتمتع هؤلاء المختصون بفهم عميق للمعايير الدولية الشرعية والمالية وبالقوانين واللوائح المتعلقة بالعقود، مما يمكنهم من صياغة بنود دقيقة تلبي احتياجاتك الخاصة. إن معرفة المختص بمتطلبات العقود وأنواعها المختلفة، سواء كانت استثمارية، او شراكات، أو عقود تجارية، أو عقارية، تتيح له التعامل مع التفاصيل الفنية بشكل احترافي.

إضافة إلى ذلك، يمتلك المختصون في صياغة العقود القدرة على تطبيق المعايير بشكل فعّال، مما يسهم في كتابة عقود واضحة وشفافة تحمي حقوق الأطراف وتقلل من احتمالات الخلافات المستقبلية.

ثانيا: تجنب الثغرات

تُعد الثغرات أحد أكبر المخاطر التي قد تواجه الأطراف المتعاقدة. يمكن أن تؤدي هذه الثغرات إلى نزاعات معقدة ومكلفة. يكون المختص في صياغة العقود مدربًا على تحديد هذه الثغرات والعمل على سدها قبل أن تتسبب في مشكلات.

عندما يكون العقد مصاغًا بشكل جيد ودقيق، يكون هناك تقليل كبير في فرص حدوث سوء فهم بين الأطراف. فبدلاً من أن تكون هناك نصوص غامضة أو غير دقيقة، يقوم المختص بتقديم صياغة شرعية ومالية وقانونية شاملة تضمن وضوح كل بند وتفصيل حقوق وواجبات الأطراف بشكل لا لبس فيه.

ثالثا: رؤية مستقبلية شاملة

يمتلك المختصون في صياغة العقود قدرة على التفكير بشكل استباقي. من خلال تحليل العقود السابقة والتجارب في النوع المعين من التعاقد، يستطيعون توقع المخاطر المحتملة التي قد تواجهها الأطراف في المستقبل. تشمل هذه المخاطر الشرعية والمالية والقانونية والإدارية والفنية، مما يمنحهم القدرة على اتخاذ خطوات احترازية.

يمكن أن تشمل هذه الخطوات، مثلاً، تضمين بنود لحماية الأطراف في حالة حدوث أزمات أو تغييرات في الظروف، مما يساعد على تجنب النزاعات قبل حدوثها. إن هذه الرؤية الاستباقية تُعزز من قوة العقد وتزيد من استقرار العلاقات التجارية.

رابعا: توضيح الواجبات والالتزامات

أحد الأدوار الأساسية للمختص هو التأكد من أن جميع الأطراف تفهم تمامًا واجباتهم والتزاماتهم. يمكن أن يؤدي غموض المسؤوليات إلى تأخير التنفيذ أو حتى عدم الالتزام بالشروط المتفق عليها.

يعمل المختص على صياغة بنود واضحة تحدد بدقة ما هو متوقع من كل طرف، مما يسهل التنفيذ ويقلل من احتمالية النزاعات. هذا الشرح الواضح يضمن أن كل الأطراف لديها فهم مشترك للاتفاق، مما يساهم في تعزيز الثقة بينهم ويسهل التعاون في المستقبل.

 خامسا: إضافة شروط وأحكام مفيدة

يتميز المختصون في صياغة العقود بقدرتهم على تقديم بنود إضافية قد تكون غائبة عن أذهان الأطراف المتعاقدة. هذه الشروط قد تتعلق بمسؤوليات إضافية، أو آليات لتسوية النزاعات، أو حتى بنود للحماية من المخاطر المحتملة.

يمكن للمختصين أن يساهموا في تعزيز العقد من خلال تضمين شروط تعزز من مصالح الأطراف، مثل ضمانات الجودة أو التعويضات في حالة عدم الالتزام بالشروط. وجود هذه البنود الإضافية يمكن أن يعزز من قوة العقد ويقلل من المخاطر القانونية.

سادسا: الامتثال للمعايير الدولية والقوانين واللوائح

تتطلب صياغة العقود مراعاة للمعايير الدولية الشرعية والمالية والقوانين المحلية والدولية ذات الصلة. يتأكد المختصون من أن العقود تتوافق مع القوانين السارية، مما يمنح الأطراف الثقة في أنها تحمي حقوقهم بشكل فعال في الداخل والخارج.

إن عدم الامتثال للمعايير قد يؤدي إلى إلغاء العقد أو مواجهات قانونية مكلفة. من خلال الاستعانة بمختص، يمكنك التأكد من أن كل ما يتعلق بالعقد يمتثل للمعايير المطلوبة، مما يحفظ لك حقوقك في جميع الظروف.

 سابعا: التفاوض على شروط العقد

المختصون ليسوا فقط في صياغة العقود، بل يمكنهم أيضًا لعب دور حيوي في عمليات التفاوض. فهم يمتلكون المهارات اللازمة للتواصل بفاعلية، مما يتيح لهم التفاوض على شروط أفضل تضمن مصالحك.

قد يتضمن ذلك تعديل بعض البنود أو إضافة شروط جديدة لتحقيق التوازن بين مصالح جميع الأطراف. هذه القدرة على التفاوض تساهم في الحصول على اتفاق أكثر ملاءمة وتجنب النزاعات المحتملة.

 ثامنا: مراجعة العقود بعد الصياغة

بعد الانتهاء من صياغة العقد، يعد تقييمه خطوة حيوية. يقوم المختصون بمراجعة دقيقة للعقد للتأكد من عدم وجود أخطاء أو ثغرات.

هذه المراجعة تساعد في ضمان أن جميع الشروط واضحة، وأن العقد يعكس الاتفاق الحقيقي بين الأطراف. في حالة وجود نزاع، ستكون مراجعة العقد أساسًا قويًا لتحديد الحقوق والواجبات.

 خلاصة

الاستعانة بمختص في صياغة العقود تعني الحصول على وثيقة متكاملة تلبي احتياجاتك، وتحمي حقوقك، وتساعد على تجنب النزاعات. إن الخبرة والرؤية الاستباقية للمختصين تضمن لك تحقيق أفضل النتائج في كل معاملاتك المالية والتجارية.